بوح

بوح بأسرار ست, وظيفة مررتها لي العزيزتان رصاصة وديما, ولقد مضى من الوقت زمناً طويل لم أكتب به وظيفة, هذه الوظيفة أبحرت بي بالذاكرة إلى لعبة الزجاجة, وهي عبارة عن جلوس الأصدقاء بشكل حلقة دائرية, يقوم أحدهم بتحريك الزجاجة لتدور, ومن تشر إليه الزجاجة وبحسب اتجاه السهم يسأل أحدهم والأخر المقابل يجيب, هذه اللعبة معروفة في بلدان كثيرة, وهي تساعد على التواصل والبوح, حتى أطباء النفس يستخدمون هذه اللعبة في بعض الأحيان , لكن الغاية والهدف من التواصل لا يتحقق ما لم يكن هناك قدر كافٍ من الشجاعة والصدق…

المسائل الصحية, أهتم جداً بالمسائل الصحية فبوجباتي اليومية أبتعد عن كل ما يسبب لي السمنة أو الضعف الغير صحي, وأحاول أن أحافظ على توازن الهرم الصحي مع الأخذ بعين الإعتبار طبعاً النقود. وأعتقد بأنه ليس صحيحاً بأن الأغنياء هم وحدهم من يستطيع أن يأكل الطعام الصحي, فالبقوليات والخضراوات وخاصة البرية كالخبيزة والحلبلوب تكون بخسة الثمن, وهي ذات فوائد لاتعدّ ولا تحصى ومن الأطعمة المفضلة لدي اضافة الى الحبوب والقليل من اللحم بأنواعه الأبيض والأحمر والقليل من الطهي أيضا لكي لا تذهب فوائد الطعام كما نفعل في بلادنا, بصراحة أنا ضد برامج التلفزيوينة المتعلقة بالطعام, لأنها في كثير من الأحيان تكون مترفة وغير صحية, وبالمختصر مش للدراويش امثالنا, فاليسقط المكدونالد والوجبات السريعة. طبعاً لا أريد أن اذكّركم بالمثّل الشعبي الذي يقول الحركة بركة, فالرياضة مسألة حيوية بالنسبة للصحة, سواء كانت بطيئة متل الصلاة أو الشي كونغ او سريعة متل الايروبك او الحركات السويدية أو الفلاحة في الحديقة أو ركوب دراجة, وليس صحيحا أن الأعمال المنزلية أو العمل بالبناء مثلاً هو رياضة بل أنا اعتقد بأنه استزاف للطاقة مكلف ومرهق, وباختصار الرياضة ليست للمترفين بل هي للعقلاء وللذين يعلمون أهمية الإيقاع, وهي لا تحتاج إلا لإرادة وتنظيم وروح صحيّة لا تعاني من امراض….

إعتراف, أعترف بأني لم أتجاوز صدمة الحرب وما سببته لي من ألم وفقد, للأسف حتى الأن وأنا أبعد محيطات وبحور مازلت استيقظ في منتصف الليل أحيانا وأصرح باسماء اخواتي, المضحك المبكي أنه في أحد الليالي سمعت صوت طائرة هيليكوبتر لا أعلم لعلها لإنقاذ أحدهم أو لمطاردة أحد اللاجئين الذي لا يريد أن يرجع للفقر والحاجة رغم حبه الشديد لوطنه فالمغترب في كثير من الأحيان لا يتغرب بهدف السياحه أو الترف, المهم في هذا البلد يستخدمون طائرات الهليكوبتر للإنقاذ والمطاردة, كل شيء ممكن, لكن الهلع والفزع الذي شعرت به كان لا يحتمل, ففكرة نشوب حرب أخرى وأنا بعيدة عن اخواتي جعلتني أنهار, لا أريد أن أن أموت ببطئ قهراً وحزناً, ولا أريد أن أذبح بالقطنة كما يقولون هنا, و يرحم أيام ال أم كا والطيران الحربي كان يقصفنا ونحن نيام, وعندما نجرح أو نموت يحصل هذا بسرعة دون أن نشعر, فبلحظة بل بجزء من اللحظة أو ربما برمشة عين, وكل هذا امام شاشات التلفاز طبعاً, نباد بشكل جماعي, فهل توجد أكثر من هكذا رحمة…

ندم, حدثان أندم جدأ على فعلي عندما أتذكرهما, الأولى عندما صرح زميلي بالجامعة أمام كل صديقاتي بأنه يحبني وتوقع مني الرد بالمثل فكنت كالحائط كأني لم أسمعه أو لم أره حتى. ليس الرفض ما أندم عليه إنما ردّة فعلي, ربما هو الأن لا يذكرني حتى, لكن أتمنى أن يكون قد سامحني. أما الحادثة الثانية فهي عندما جاءت ابنة خالتي وهي ترتجف دموعها تنهمر وبصوت مخنوق قالت لي, أمل استشهد محمد, وهو أخوها الكبير, كانت تريد أن أضمها ولو قليلاً, لكني نهرتها وقلت لها بيقين بأنه لم يقتل, رغم رؤيتي له تحت الأنقاض, وطلبت منها أن تتصرف بهدوء وعقل, وادرت ظهري واستمريت بمعالجة جروح الاطفال واستخراج الزجاج من رؤوسهم. رغم معرفتي بحبها لي ورغم أن علاقتنا توطدت اكثر, إلا اني نادمة لأني لم أحضنها ونادمة لأني تصرفت بعقل..

باجو باجو, كلمات تكاغي بها صديقتي البروندية ايماكوليت ابنتها, القصة ليست هنا, القصة أنني عندما أفتح فمي وأكاغي لها تنفجر بالبكاء كأنها رأت غول, وعندما تقول إيما باجو باجو بعد تضخيم الجيم طبعاً تنفجر ضاحكة, اكتشفت أني لا استطيع أن أُضحك طفلة من القارة السوداء بسبب لوني وثقافتي, ولا أعلم حتى كيفية التعامل معهابالرغم من معرفتي الجيدة بهذا المضمار, فتساءلت هل الغولة التي يخيفون بها أبناءهم سوداء أم بيضاء؟! اتمنى أن يرى كل انسان بعيون غيره

الذاكرة, الزهايمر أو بمعنى أخر الخرف, حتى الأن لم أصب به لكن أعاني من أضعف ذاكرة في الوجود, لا أعلم إن كنت أنا من أضعفها وتعمد تهشيمها لأحتفظ بنعمة النسيان, لكن هناك حادثتان لا أريد أن أنساهما. الأولى, عندما كنا صغاراً نلعب وفجأة بدأت السماء تقطر بحنان بقطرات توالت تدريجياًً , وبدأ الرعد والبرق سنفونيته, فتجمعنا وبدأنا نرقص ونغني ونضحك, حتى تبللنا بالكامل, رغم التوبيخ لاحقا,ً إلا أنها من أجمل الذكريات. أما الثانية, فهي صوت وضحكة الشهيد علي المسلماني, عندما كان يناديني من تحت درج بيتنا لأنزل ونتقاسم اللعب والشقاوة والذهاب الى دكان العم أبو نجيب وشراء الحلوى معاً, وأذكر المرة الأخير بالتحديد, عندما أتى من الجنوب إلى بعلبك وعلَم أني في المنزل, فلقد كنت أتواجد في المنزل فقط في الصيف, ولأن زيارته كانت سريعة, ناداني من تحت الدرج حتى كاد يسمع الحي, فهرولت إلى الشرفة ورأيته بعينيه الواسعتين تلمعان بدفء وببراءة طفولية اعرفهما منذ كنا صغار, ولن انساهما ما حييت, وقلت له باسمة, لك جرصتنا, وفي ختام المحادثة التي أجريناها قال, وصيني, فجاوبته بتعبير متعارف عليه وبديهي وغبي جداً, سلامتك, فابتسم ابتسامة عريضة وقال, أنت بتعرفي انه صعبة وما بقدر على هل وصية, ومضى..لم أره منذ ذلك الوقت, فمشاغل الحياة والأمكنة فرقتنا, لكن علمت من أختي بالهاتف أنه استشهد ولدية فتيات ثلاثة, وسأزورهما وربما أتقاسم معهما اللعب والذهاب الى الدكان وكل الامور الأخرى التي كنا نفعلها وسأقص لهم قصة والدهما العظيم , وذلك عندما سأسافر إلى بيروت ..

ختامها مسك, في هذه الأيام من شهر تشرين الأول تحديداً في اليوم السابع منه, أصبحت خالة, لا أخفيكم بأنني في هذا اليوم من السنة الفائتة عشت أكثر أيام الأكشن في حياتي, اتصلت بي أختي الساعة الخامسة صباحاً وقالت, أختي بعد قليل سأنجب طفل, فضحكت وقلت لها, هل مرة جد ولا متل كل مرة, إذ ولمدة ثلاث ايام متوالية كانت كلما شعرت بالمغص ولو قليلاً ذهبت للطبيب, وفي هذه الاثناء تتصل بي وتقول لي أنها ستنجب طفل , ثم تقول لها الطبيبة إذهبي لم يحن موعد الولادة بعد, إلا أن هذه المرة ضحكت وقالت, لا هل مرة جد الجد, صار الوقت لشوف ابني يا اختي, وبعد شوي لح فوت ع غرفةالعمليات.. ذالك اليوم مّر الوقت بطيئاً ثقيلاً وممتداً, فقط الهاتف كان سلوتي, ولم أرتح ولم أهدأ حتى علمت بأنها سالمة هي وطفلها. ألان وأنا أكتب هذه الأسطر الأخيرة أخطط للوقت الذي سأكون بجانبها بولادتها الثانية بإذن لله, وهو وقت ليس طويلاً ربما بضع أشهر فقط

هذا المنشور نشر في ثرثرة وكلماته الدلالية , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

7 Responses to بوح

  1. h.hakim كتب:

    جميل بوحك….ومؤلم في بعض فقراته…
    بالنسبة للزهايمر ضحكت جدا علما ما ظاهرة عليك الاعراض
    وانشاء الله بتزوري بيروت و بتحضري ولادة اختك و بتقضي وقت ممتع
    فقرة الحرب ادمعتني…تبقى الكلمات عاجزة ن تفسير ما تقوله الدموع
    اتمنى لك دهرا خالي من دموع الحزن عبقا بالافراح

  2. حنظلة كتب:

    جميل هذا التجلي 🙂
    تحية .

  3. Bullet كتب:

    كنت على يقين أن وراء هذا التأخير بوحٌ جميل (:
    لو في مجال بمررلك هالواجب مرة تانية لتكتبي 6 أسرار أخرى .. لأن بوحك جميل (:

    • جلنار كتب:

      اهلا رصاصتي المقاومة 🙂
      بصراحة هل اسرار عذبوني لطلعوا, مررلي واجب اسهل 🙂
      انت النقية والجميلة..

  4. التنبيهات: تجمع المدونين الفلسطينيين

أضف تعليق